سورة إبراهيم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قوله تعالى: {الر} قد سبق بيانه [يونس: 1]. وقوله: {كتابٌ} قال الزجاج: المعنى: هذا كتاب، والكتاب، القرآن.
وفي المراد بالظلمات والنور ثلاثة أقوال.
أحدها: أن الظلمات: الكفر، والنور: الإِيمان، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أن الظلمات: الضلالة، والنور: الهدى، قاله مجاهد، وقتادة.
والثالث: أن الظلمات: الشكُّ، والنور: اليقين، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {بإذن ربهم} ثلاثة أقوال:
أحدها: بأمر ربهم، قاله مقاتل.
والثاني: بتوفيق ربهم، قاله أبو سليمان.
والثالث: أنه الإِذن نفسه، فالمعنى: بما أَذِن لك من تعليمهم، قاله الزجاج، قال: ثم بيَّن ما النُّور، فقال: {إِلى صراط العزيز الحميد} قال ابن الأنباري: وهذا مِثْلُ قول العرب: جلست إِلى زيد، إِلى العاقل الفاضل، وإِنما تُعاد {إِلى} بمعنى التعظيم للأمر، قال الشاعر:
إِذَا خَدِرَتْ رِجْلي تَذَكّرْتُ مَنْ لَهَا *** فَنَادَيْتُ لُبْنَى بِاسْمِهَا وَدَعَوْتُ
دَعَوْتُ الَّتِي لَوَ أَنَّ نَفْسِي تُطِيعُنِي *** لأَلْقَيْتُها من حُبِّها وقضَيتُ
فأعاد {دعوت} لتفخيم الأمر.
قوله تعالى: {اللهِ الذي له ما في السموات} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {الحميدِ اللهِ} على البدل. وقرأ نافع، وابن عامر، وأبان، والمفضَّل: {الحميدِ. اللهُ} رفعاً على الاستئناف، وقد سبق بيان ألفاظ الآية.


قوله تعالى: {الذين يستحبُّون الحياة الدنيا} أي: يؤثرونها {على الآخرة} قال ابن عباس: يأخذون ما تعجَّل لهم منها تهاوُناً بأمر الآخرة.
قوله تعالى: {ويَصُدُّون عن سبيل} أي: يمنعون الناس من الدخول في دِينه، {ويبغونها عِوَجاً} قد شرحناه في [آل عمران: 99].
قوله تعالى: {أولئك في ضلال} أي: في ذهاب عن الحق {بعيد} من الصواب.
قوله تعالى: {إِلا بلسان قومه} أي: بلُغتهم. قال ابن الأنباري: ومعنى اللغة عند العرب: الكلام المنطوق به، وهو مأخوذ من قولهم: لَغا الطائر يَلْغُو: إِذا صَوَّت في الغَلَس. وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، والجُحدري: {إِلاَّ بِلُسُنِ قومه} برفع اللام والسين من غير ألف. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو عمران: {بِلِسْنِ قومه} بكسر اللام وسكون السين من غير ألف.
قوله تعالى: {ليُبيِّن لهم} أي: الذي أُرسل به فيفهمونه عنه. وهذا نزل، لأن قريشاً قالوا: ما بال الكتب كلِّها أعجمية، وهذا عربي!
قوله تعالى: {أن أَخرج قومك} قال الزجاج: {أن} مفسِّر، والمعنى: قلنا له: أَخرج قومك. وقد سبق بيان الظلمات والنور [البقرة: 257].
وفي قوله: {وذكِّرهم بأيام الله} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نِعَمُ الله، رواه أُبيُّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مجاهد، وقتادة، وابن قتيبة.
والثاني: أنها وقائع الله في الأمم قبلهم، قاله ابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.
والثالث: أنها أيام نِعَم الله عليهم وأيام نِقَمِه ممن كَفر من قوم نوح وعاد وثمود، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {إِن في ذلك} يعني: التذكير {لآيات لكل صبَّار} على طاعة الله وعن معصيته {شَكور} لأنعُمه. والصبَّار: الكثير الصبر، والشَّكور: الكثير الشُّكر، وإِنما خصه بالآيات، لانتفاعه بها. وما بعد هذا مشروح في سورة [البقرة: 49].


قوله تعالى: {وإِذ تأذَّن ربُّكم} مذكور في [الأعراف: 167].
وفي قوله: {لئن شكرتم لأزيدنكم} ثلاثة أقوال:
أحدها: لئن شكرتم نِعَمي لأزيدنكم من طاعتي، قاله الحسن.
والثاني: لئن شكرتم إِنعامي لأزيدنكم من فضلي، قاله الربيع.
والثالث: لئن وحَّدتموني لأزيدنكم خيراً في الدنيا، قاله مقاتل.
وفي قوله: {ولئن كفرتم} قولان:
أحدهما: أنه كفر بالتوحيد. والثاني: كفران النِّعَم.
قوله تعالى: {فإن الله لغني حميد} أي: غني عن خَلْقه، محمود في أفعاله، لأنه إِمّا متفضِّل بفعله، أو عادل.
قوله تعالى: {لا يعلمهم إِلا الله} قال ابن الأنباري: أي: لا يحصي عددهم إِلا هو، على أن الله تعالى أهلك أُمماً من العرب وغيرها، فانقطعت أخبارهم، وعفَت آثارهم، فليس يعلمهم أحد إِلا الله.
قوله تعالى: {فرَدُّوا أيديَهم في أفواههم} فيه سبعة أقوال:
أحدها: أنهم عضُّوا أصابعهم غيظاً، قاله ابن مسعود، وابن زيد. وقال ابن قتيبة: {في} هاهنا بمعنى: إِلى ومعنى الكلام: عضُّوا عليها حَنَقاً وغيظاً، كما قال الشاعر:
يَرُدُّون في فيه عَشْرَ الحَسودِ ***
يعني: أنهم يغيظون الحسود حتى يَعَضَّ على أصابعه العشر، ونحوه قول الهذلي:
قَدَ افْنَى أَنامِلَه أَزْمُهُ *** فأضحى يَعَضُّ عَلَيَّ الوَظِيفا
يقول: قد أكل أصابعه حتى أفناها بالعضِّ، فأضحى يعضُّ عليَّ وظيف الذارع.
والثاني: أنهم كانوا إِذا جاءهم الرسول فقال: إِني رسول، قالوا له: اسكت، وأشاروا بأصابعهم إِلى أفواه أنفسهم، رَدَّاً عليه وتكذيباً، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أنهم لما سمعوا كتاب الله، عجّوا ورجعوا بأيديهم إِلى أفواههم، رواه العوفي عن ابن عباس.
والرابع: أنهم وضعوا أيديَهم على أفواه الرسل. ردَّاً لقولهم، قاله الحسن.
والخامس: أنهم كذَّبوهم بأفواههم، وردُّوا عليهم قولهم، قاله مجاهد، وقتادة.
والسادس: أنه مَثَلٌ، ومعناه: أنهم كَفُّوا عما أُمروا بقبوله من الحق، ولم يؤمنوا به. يقال: رَدَّ فلان يده إِلى فمه، أي: أمسك فلم يُجِب، قاله أبو عبيدة.
والسابع: رَدُّوا ما لَوْ قبلوه لكان نِعَماً وأياديَ من الله، فتكون الأيدي بمعنى: الأيادي، و{في} بمعنى: الباء، والمعنى: رَدُّوا الأياديَ بأفواههم ذكره الفراء، وقال: قد وجدنا مِن العرب مَن يجعل {في} موضعَ الباء، فيقول: أدخلك الله بالجنة، يريد: في الجنة، وأنشدني بعضهم:
وأَرغَبُ فيها عن لَقيطٍ ورهطِهِ *** ولكنَّني عن سَنْبَسٍ لَسْتُ أَرْغَبُ
فقال: أرغب فيها، يعني: بنتاً له، يريد: أرغب بها، وسَنْبَسُ: قبيلة.
قوله تعالى: {وقالوا إِنا كفرنا بما أُرسلتم به} أي: على زعمكم أنكم أُرسلتم، لا أنهم أقرُّوا بإرسالهم. وباقي الآية قد سبق تفسيره [هود: 62]. {قالت رسلهم أفي الله شك} هذا استفهام إِنكار، والمعنى، لا شك في الله، أي: في توحيده {يدعوكم} بالرسل والكتب {ليغفرَ لكم من ذنوبكم} قال أبو عبيدة: {مِن} زائدة، كقوله:
{فما منكم من أَحد عنه حاجزين} [الحاقة: 47]، قال أبو ذؤيب:
جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الحُبِّ لمَّا شَكَوتِهِ *** وما إِن جزاكِ الضِّعْفَ مِن أَحَدٍ قَبْلي
أي: أَحَدٌ. وقوله: {ويؤخِّرَكم إِلى أَجَل مسمّى} وهو الموت، والمعنى: لا يعاجلكم بالعذاب. {قالوا} للرسل {إِن أنتم} أي: ما أنتم {إِلا بَشَر مِثلنا} أي: ليس لكم علينا فضل، والسلطان: الحُجَّة. قالت الرسل: {إِن نحن إِلا بَشَر مثلكم} فاعترفوا لهم بذلك، {ولكنَّ الله يمنُّ على من يشاء} يعنون: بالنبوَّة والرسالة، {وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إِلا بإذن الله} أي: ليس ذلك من قِبَل أنفسنا.
قوله تعالى: {وقد هدانا سُبُلَنَا} فيه قولان:
أحدهما: بيَّن لنا رشدنا. والثاني: عرَّفنا طريق التوكل. وإِنما قُصَّ هذا وأمثالُه على نبينا صلى الله عليه وسلم ليقتديَ بمن قبله في الصبر وليعلم ما جرى لهم.
قوله تعالى: {لنُهلكنَّ الظالمين} يعني: الكافرين بالرسل. وقوله تعالى: {مِن بعدهم} أي: بعد هلاكهم. {ذلك} الإِسكان {لمن خاف مقامي} قال ابن عباس: خاف مُقامه بين يديَّ. قال الفراء: العرب قد تضيف أفعالها إِلى أنفسها، وإِلى ما أُوقِعَتْ عليه، فتقول: قد ندمت على ضربي إِياك، وندمت على ضربك، فهذا من ذاك، ومِثْله {وتجعلون رزقكم} [الواقعة: 82] أي: رزقي إِياكم.
قوله تعالى: {وخاف وعيد} أثبت ياء {وعيدي} في الحالين يعقوب، وتابعه ورش في الوُصْل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8